![سلاح حزب الله](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/06/86101Image1-1180x677_d-800x500.jpg)
خاص: ليست ذكرى انسحاب اسرائيل من لبنان ببعيدة عنا، فمنذ أيام احتفل اللبنانيون بعيد التحرير ومرور 23 عاماً على تخطي آخر جندي اسرائيلي الحدود الجنوبية باتجاه فلسطين المحتلة، لتطوى صفحة دامت 22 سنة من الاحتلال لجنوب لبنان وبقاعه الغربي.
مما لاشك فيه أن التحرير أنجز بسواعد اللبنانيين، الذين أذاقوا الجيش الاسرائيلي وعملاءه مر العلقم بفعل عمليات المقاومة لهذا الاحتلال، تلك المقاومة، لم ترح ذلك المحتل يوماً واحداً خلال سيطرته على جزء من الأراضي اللبنانية.
بداية تلك المقاومة، على أرض الجنوب تحديداً، كانت فلسطينية من الفدائيين وفصائل منظمة التحرير و”فتح”. وبعد خروج المسلحين الفلسطينيين من لبنان بعد اجتياح العام 1982، تابع المقاومون اللبنانيون مسيرة اخوانهم الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، فكان الأبرز فيها عناصر حركة أمل و”جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” (جمول)، الذين سقط منهم العشرات من الشهداء، وهم نفذوا العديد من العمليات الاستشهادية التي قضت مضاجع الجيش الاسرائيلي على ارض الجنوب والبقاع الغربي، واعتقل منهم العشرات في المعتقلات الاسرائيلية، على رأسهم سهى بشارة وغيرها.
ولكن، ومع بداية التسعينيات من القرن الماضي، وبعد إبرام اتفاق الطائف، بدأ نجم “حزب الله” في السطوع. فخفت بريق الحركات المقاومة للاحتلال الاسرائيلي حتى اندثر تماماً، وهذا بالطبع صب في مصلحة “الحزب”.
بدأ “حزب الله” عملياته ضد القوات الاسرائيلية في الجنوب والبقاع الغربي، فحقق الكثير من النجاحات على صعيد إرباك الوجود الاسرائيلي في تلك المناطق، وهو للأمانة حقق في صفوف الاحتلال ضربات موجعة. وبعد كل عملية، كان “الحزب” يحظى ببركة وفرحة، ليس من أبناء بيئته أو طائفته فحسب، بل من معظم اللبنانيين من شتى الانتماءات، الذين كانوا يناوئون الاحتلال الاسرائيلي.
وما أن اغلق الاسرائيليون بوابة فاطمة على الحدود الجنوبية بعد انسحاب آخر جندي إسرائيلي من لبنان في 25 أيار 2000، حتى عمت الفرحة معظم المناطق اللبنانية، من الجنوب حتى الشمال مروراً ببيروت والبقاع، ووصلت قوافل “حزب الله” المحتفلة ب”النصر” الى طرابلس، واستقبلت حينها استقبال الابطال.
إستبشر اللبنانيون، أو معظمهم حينها، بأن “الحزب” الذي حماهم ودحر الاحتلال عن أراضيهم، سيستمر في حمايتهم في كل مفاصل حياتهم. وهم كانوا على قناعة، بأن سلاحه الذي كان سببا في طرد الاحتلال، لن يسلط عليهم بعد انجاز التحرير، وبأن “الحزب” بعد انجاز المهمة، سيعطي ذلك السلاح هدية الى الجيش اللبناني لتعزيز قدراته وتثبيت وجوده وجعله الحامي الأول والأخير للوطن.
إلا ان الرياح لم تجر كما اشتهاها جزء كبير من اللبنانيين. فالتحرير تم، وبقي السلاح في يد “الحزب”، بل زادت كميته ونوعيته أضعاف الأضعاف، وبقيت حجة التمسك به: مقاومة العدو الاسرائيلي.
أما آخر اختبار لفعالية سلاح “حزب الله” في مقاومة إسرائيل، فهو مر عليه حوالى 17 عام، أي منذ حرب تموز 2006، حيث يمكن الاعتراف بأن “الحزب” صمد، في مقابل دمار هائل أصاب لبنان، مع زوال بنيتيه التحتية والفوقية.
ذلك كان الاختبار الاخير لهذا السلاح، فيما “الحزب” ظل متمسكا به ومبقياً عليه “لمقاومة العدو”. فجاء 7 أيار 2008 ليستعمل السلاح للمرة الثانية في الداخل اللبناني (المرة الأولى استعمل في أواخر الثمانينيات أثناء المعارك مع حركة أمل). أما بالنسبة الى مسألة مقاومة العدو فهنا بدأت التساؤلات وعلامات الاستفهام تطرح..
ففي العام 2008 اغتيل المسؤول العسكري البارز في “حزب الله” عماد مغنية، واتهم “الحزب” حينها إسرائيل بالعملية، وتوعد أمينه العام برد قاس وانتقام مزلزل. ومن ثم كرت سبحة الاغتيالات لمسؤولين في “الحزب”، من بينهم سمير القنطار ومصطفى بدرالدين. ايضاً وايضاً صدرت التهديدات بالانتقام، من دون رد فاعل على الارض.
الى جانب هذا كله، مئات الغارات شنتها إسرائيل على مواقع لايران و”حزب الله” في سوريا، وسقط له عشرات القتلى والجرحى بفعل القصف الاسرائيلي.. أيضا لم نر أي رد من قبل “الحزب”.
بعد 17 عاماً على حرب تموز، حين استخدم “حزب الله” للمرة الاخيرة سلاحه ضد اسرائيل، بات السؤال الابرز: لماذا هذا الاصرار من قبل الحزب للابقاء على هذا السلاح، ولماذا اعتماد قادته على التهديد اللفظي لاسرائيل من دون اي خطوة عملية على الارض، ماعدا بعض المسرحيات التي جرت على الحدود من الجانبين، ولماذا عند إطلاق صواريخ “مجهولة المصدر” على شمال فلسطين يسارع “الحزب” لنفي مسؤوليته عن الأمر؟ إذا ما هو الداعي بقاء سلاحه يا ترى؟
أليس الأجدى بالحزب، طالما انه لا يستخدم هذا السلاح، والذي يقدر بمئات الملايين، إن لم نقل المليارات من الدولارات، أن يقوم ببيعه في سبيل فك الضائقة الاقتصادية عن أهله وناسه في خضم الانهيار الحاصل في لبنان؟ نقول “أهله وناسه” في حال لم يرد “الحزب” صرف عائدات بيع تلك الأسلحة على لبنان واللبنانيين بالمجمل، ولكن بإمكانه فك كرب شريحة واسعة من هذا الشعب من خلال تأمين مأكلها ومشربها وأدويتها ووقودها بدلا من ترك السلاح يصدأ بمرور الوقت؟
على “حزب الله” اتخاذ القرار، إذ لا يمكن له ان يبقي كل اللبنانيين رهينة هذا السلاح، فإن لم تكن لديه النية لاستخدامه في وجه العدو، فعلى الأقل فليجد طريقة لكي يستفيد اللبنانيون من مداخيل بيعه. اللهم إلا اذا كان “الحزب” يخطط لحرب عبثية يستخدم فيها هذا السلاح، فيعيد به لبنان عقودا الى الوراء.