كتب ابراهيم بيرم: قبيل فترة، ثمة من عمّم شريطاً مصوراً هو عبارة عن مقتطف من مقابلة متلفزة اجراها المسؤول عن جهاز التواصل الاعلامي في حزب القوات اللبنانية شارل جبور، يقول فيه ما فحواه ان ح ز ب الله يأبى الرد علينا، ويمتنع عن الدخول في اي مساجلة كلامية معنا، وذلك لاعتبارين:
الاول انه “وضع” رأسه برأس الولايات المتحدة ولا يرى غيرها جديراً بالمواجهة.
والثاني انه يرانا نحن (القوات) “فراطة”.
من البديهي ان جمهور (ا ل ح ز ب) ابتسم وهو يسمع هذا الكلام من الشخص الاكثر شراسة وحدّة في حزب القوات، وهو يطلق كلاماً ينطوي عند هذا الجمهور على نوع من “الشعور بالمرارة والكسرة المعنوية”، خصوصاً انه يستبطن نوعاً من الاقرار بصعوبة استدراج (ا ل ح ز ب) الى مربع تريده القوات لأنها تجد فيه ما يلبّي مصلحة لها.
لكن ثمة من قارب في قيادة (ا ل ح ز ب) هذا الكلام بما يتعدى “الشماتة”، اذ وجد في فلتات لسان هذا الوجه الاعلامي الابرز لهذا الفريق ما يزيد (ا ل ح ز ب) قناعة بجدوى نمط تعاطيه المألوف مع هذا التنظيم ومع من يجد نفسه متجانساً مع طروحاته.
فالمسألة عند (ا ل ح ز ب) لا تنطلق من استخفاف بالخصم او تجاهل لأمر واقع موجود قبل ان يكون (ا ل ح ز ب) نفسه على خريطة الوجود. ولكن سياسة اللامبالاة التي يتبعها حيال كل موجات الضوضاء اليومية التي يتعمّد هذا الفريق اطلاقها سعياً الى جعل كلمته هي الاعلى وحضوره هو الاوزن.
لا تنكر مصادر على صلة بدوائر القرار في قيادة (ا ل ح ز ب) ان هذه القيادة وضعت ذات يوم على جدول اعمالها توجهاً يقضي بفتح ابواب الحوار وقنوات التواصل مع كل يناصبها العداء، حتى وان اقتضى الأمر ان يكون هو البادىء بالقاء السلام والكلام.
وعلى اساس هذه القاعدة، شهد عام 2016 “اولى” المحاولات الحوارية بين (ا ل ح ز ب) وممثلين عن فريق القوات (كان عبر نواب) خصوصاً ان (ا ل ح ز ب) كان اقر نتيجة نقاش ضمني بأن لا مانع عنده في فتح صفحة تعاط سياسي، في معزل عن تجارب تاريخية سالفة طواها، يفترض ان الزمن طواها وان التطورات تخطتها.
وآية التصديق لهذا الكلام، تجسدت عملياً اكثر ما يكون في قرار تجميد موقت لنشاط النائب عن (ا ل ح ز ب) نواف الموسوي عندما دخل في احدى جلسات المجلس في سجال اعلامي مع النائب الكتائبي نديم الجميل. كان ذلك، قبل ان يتخذ (ا ل ح ز ب) قراراً بازاحة الموسوي عن النيابة، ودفعه للاستقالة والاعتزال في مناسبة ومحطة اخرى.
ومن المعلوم ان (ا ل ح ز ب) كان الاكثر جرأة في طيّ صفحات المراحل الماضية وفي الاقتراب من الخصوم التاريخيين من خلال مضيه بحماسة الى تفاهم مار مخايل مع التيار الوطني الحر، ومن ثم انفتاحه المتكرر على النائب السابق وليد جنبلاط رغم يقينه أن زعيم المختارة كان قد اذاه، وقاد بشراسة وضراوة مرحلة من المواجهة المفتوحة معه استمرت اكثر من ثلاثة اعوام.
فضلاً عن ان (ا ل ح ز ب) سارع الى الجلوس مع “تيار المستقبل” على طاولة حوار عين التينة من دون شروط وقبِل بنظرية “ربط النزاع”.
لكن المشكلة مع فريق القوات لها في تقييم (ا ل ح ز ب) طباع مختلفة وحسابات اكثر تعقيداً لسبب اساسي، وهو ان هذا الفريق ظل اسير مرحلة ولادته ونموه والتي كان يتعيّن ان تنتهي مع قبوله بمندرجات اتفاق الطائف. لذا، ظل هذا الفريق رافضاً لتقبّل واقع ان الامور اختلفت والاحوال تبدلت والمعادلات تغيرت، وانه يستحيل مع كل هذا الكمّ من المتغيرات اعادة عجلة التاريخ الى الوراء.
وثمة في (ا ل ح ز ب) مَن يتبنى نظرية اطلقها ذات يوم غير بعيد بعض الاعلاميين، فحواها ان جعجع وان كان اخرج منذ زمن بعيد من سجن اليرزة، الا انه يبدو انه استمر في الاقامة والعيش وراء القضبان، فكرر التجربة عينها عندما حبس نفسه في حصن معراب، وقرر ان يرسم سياسته من خلف جدرانه الحصينة .
ومن وراء تلك الاسوار اتخذ جعجع، وفق المصادر عينها، قراره النهائي والقاضي بمنازلة (ا ل ح ز ب) حتى وان هادنه كل لبنان، كما قرر ان يجعل من نفسه رأس الحربة في مشروع المواجهة تلك، وتالياً الاعتراض على تقدم مناخات حوارية او انفراجية.
وبمعنى آخر، يرى (ا ل ح ز ب) ان المشروع السياسي لجعجع قد اقتصر على مواجهة (ا ل ح ز ب) مسقطاً بذلك اية مهمات او اهداف ذات وزن وشأن. والواضح ان جعجع وجد ان وسيلته الفضلى والاقل كلفة لبلوغ هذه الغاية تتلخص في امرين:
– تنظيم حملات اعلامية يومية ضد (ا ل ح ز ب) انطلاقاً من خطة ممنهجة تحدد بموجبها كل صبيحة الخطاب الذي يتعيّن اطلاقه، وهو عادة خطاب موحد وغالباً ما يكون مكرراً ان لجهة المضامين او لجهة الاصطلاحات المستخدمة.
– تحميل (ا ل ح ز ب) تبعة اي حدث يسجل في طول البلاد وعرضها عبر ايجاد صلة معينة، وذلك في سبيل “شيطنة” (ا ل ح ز ب) وتشويه ادائه ودوره ولعل احدث النماذج هو حادث القتل في بلدة عين ابل. واللافت ان امر الاتهام جاء على لسان جعجع نفسه قبل اجراء اي تحقيقات امنية او قضائية، والذريعة هذه المرة ان الحادثة وقعت في منطقة تعد من مناطق نفوذ (ا ل ح ز ب).
وفي تقدير (ا ل ح ز ب) ان كل هذا التصعيد الاعلامي من جانب هذا الفريق، انما يراد منه ضمناً استدراج (ا ل ح ز ب) الى دائرة السجال الاعلامي اليومي بحيث يتحول (ا ل ح ز ب) الى مجرد حامل ميكروفون مهمته الحصرية الرد على سيل الاتهامات الموجهة له من القوات، والاستغراق في مساجلة هذا الفريق فحسب.
يعي (ا ل ح ز ب) بطبيعة الحال ان فريق القوات تنظيم له حضوره وتأثيره، وانه كان من الاجدى
لـ (ا ل ح زب) ان يقرر الانفتاح عليه بشكل او بآخر عله يخفف من غلوائه او يحد من جموحه. ولكن في تقدير (ا ل ح ز ب) انه رغم ذلك، فهو ليس اكثر من “طابور ازعاج” يتعيّن اهماله انطلاقاً من اعتبارين اثنين:
الاول، انه مع كل الوان الطيف المعارض والمعادي للحزب لم يجمعوا اكثر من 30 نائباً، وهو رقم لا يغير في لبّ المعادلة ولا يصنع معادلة لوحده.
الثاني، ان المشكلة الاكبر انه لا يمكن التعامل مع هذا الفريق كحالة مستقلة تمتلك ناصية قرارها السياسي او ان هدف مشروعها تأمين الاستقرار والخروج من التوتر والاحتقان، إذ انها لم تسمح لنفسها بمغادرة خطوط التماس مع خصم ما.