كتب ابراهيم بيرم:
لا يسقط ( ا ل ح ز ب) فرضية انه على علم مسبق بالعملية النوعية الواسعة التي تنفذها حركة “حماس” بشراكة من فصائل اخرى منذ صبيحة السبت الماضي، الا انه يكشف انه ربما فوجىء بتطورين اثنين:
الاول حجم هذه العملية والمدى الواسع الذي بلغته بعيد ساعات على انطلاقها، مما جعلها عملاً عسكرياً فذاً بكل المقاييس والاعراف ذات الطبيعة الاستراتيجية، التي لها صلة بتجارب الصراع العربي – الاسرائيلي السابقة، ان من حيث المسارات او من حيث النتائج العسكرية.
الثاني مدى الانعكاسات المرتقبة لهذه العملية على المحيط وتحديداً على خطوط التماس والمواجهة التي يمكن ادراجها في المدى الحيوي لـ “محور الممانعة والمقاومة”، وخصوصاً على جبهة الجنوب اللبناني، التي هي معاقل الطرف الاكثر قوة وتنظيماً وقدرة على الحراك المفتوح، وصاحب الترسانة الاضخم في الاقليم والتي اعدت ليوم كهذا ولساعة كتلك، اي ( ا ل ح ز ب).
وعليه، كان (ا ل ح ز ب) ينطلق في تفاعله مع هجوم حماس على محيطها الاستيطاني في العمق المتاخم لها ، على انه حدث غير كل الاحداث المماثلة التي سبقت على كل المستويات، وكان ينطلق ايضا من خلفية فحواها ان فعل حليفته حماس، هو فعل ريادي يجسد ارادة كل محور الممانعة، ويجسد استتباعاً رداً هذا المحور على كل الضغوط المكثفة عليه من الجانبين الاميركي والاسرائيلي، خصوصاً في الاشهر الاخيرة والتي كان احدثها واكثرها ايلاماً الغارة على الكلية الحربية في حمص، وقبلها قطع الطريق بين سوريا والعراق ( معبر ابو كمال ) . فهذه الغارة هي في رأي دوائر القرار في المحور اياه، انها كانت من اعداد اميركي مباشر وهي تأتي ذروة في الهجمات على سوريا ولبنان والعراق وايران نفسها، فضلاً عن اليمن.
من هذا كانت هجمة “حماس” المدوية في راي (ا ل ح ز ب) انها تتخطى في مسارها العسكري ونتائجها، مقارنة البعض لها بانها تحاكي حرب تشرين عام 1973 لانها تفوقها باضعاف على رغم بطولات مشهود لها سجلها الجيشان المصري والسوري في حينه.
كان ( ا ل ح ز ب) يعلم تماماً انه لا يمكن له الا ان يكون معنياً وشريكاً مباشراً بهذه الهجمة، وهو ما يفرض عليه اداء ادوار تتخطى الادوار المألوفة في حروب غزة السابقة مع الاحتلال الاسرائيلي منذ ان اضحت محررة من هذا الاحتلال. لذا لم يكن يطلق كلاماً على عواهنه، عندما اكد في بيانه الاول الذي اصدره بعيد اقل من ثلاث ساعات على بدء هجوم حماس على الاتي:
– انه يتابع عن كثب ويرصد بدقة مسار التطورات الميدانية والسياسية من باب المعني المباشر وليس المراقب، خصوصاً وان بيانات حماس وتصريحات قادتها اكدت صراحة مسؤولية “الشركاء في المحور وطالبتهم علانية بدور وخطوات عملانية”.
– انه على تنسيق وتشاور على مدار الساعة مع حركة حماس والفصائل الاخرى عبر غرفة العمليات المشتركة وعبر الاتصالات بين القيادة السياسية.
– والاهم ان الحزب اكد ان المواقف التي يعتزم اتخاذها والخطوات التي ينوي ان يخطوها لاحقاً تتحدد بناء على التطورات والوقائع الميدانية.
وبهذا المعنى، ترك الحزب باب الاحتمالات مفتوحاً على مصراعيه، ولكن من مدخل الشراكة التامة المبنية على مبدأ “ترابط الساحات “والقائم على فكرة ان اي اعتداء خارجي يستهدف ايا من اطراف المحور هو اعتداء موصوف على كل المحور فيصير لزاماً على المنضوين فيه المشاركة في الرد.
وفي موازاة هذه التعهدات، كانت مصادر (ا ل ح ز ب) والمحسوبة عليه تسرب الى وسائط الاعلام ما مفاده انه بعث برسالة الى تل ابيب عبر القاهرة يحذرها فيها من ان احتمال دخول عناصره الى الجليل الاعلى يصير احتمالاً كبير الورود اذا ما فكرت اسرائيل باجتياح بري لغزة.
وبعد 24 ساعة على بدء حماس هجومها في عمليتها النوعية كلن (ا ل ح ز ب) يرد بطريقته المدروسة على كل التساؤلات التي تنامت في اعقاب بدء حماس لهجومها، وفحواها ما هو مستقبل الوضع على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة اذا ما تطورت الامور الميدانية؟ ولانه اراد ان يفهم من يعنيهم الامر انه شريك وليس متفرجاً، وجهت مدفعيته قذائفها نحو ثلاثة مواقع اسرائيلية في مزارع شبعا، اي انه اختار الميدان الذي يعرف العالم كله انه منطقة متنازع عليها، وان اسرائيل وان كانت تتمركز فيها منذ عقود الا انها لا يمكن ان تزعم ان احتلالها ناجز كما هو احتلال جبل الشيخ المتاخم.
وفي هذا الاطار، يؤكد الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد الياس فرحات في تصريح ل “موقعنا”: لقد اعتدنا منذ عام 2000 ان تكون مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هي مكان ربط نزاع بين المقاومة وجيش الاحتلال كونها مناطق لبنانية تحتلها اسرائيل اي انها بموجب القانون الدولي مناطق متنازع عليها وغير محسومة الملكية فيتيم اللجوء اليها عند الحاجة.
ويضيف فرحات: لكن هذه المرة ثمة تطورات اكثر خطورة في جبهة غزة ومحيطها تفرض وقائع مختلفة. فالمعركة الدائرة هناك بضراوة بين المقاتلين الفلسطينيين وجنود الاحتلال في داخل مستوطنات غلاف غزة، فاذا ما نجحت قوات الاحتلال في ابعاد المقاتلين الفلسطينيين منها وترجمت تهديداتها بتنفيذ اجتياح بري على غزة فمعنى ذلك ان احتمالات انفجار الوضع على جبهة الجنوب صار احتمالاً وارداً وجدياً. وهذا الاحتمال يبتعد بقدر ما يصمد حماس ومن معها في العمق الاسرائيلي وتنجح في توجيه ضربات موجعة للاحتلال.
وباختصار يقول فرحات ان الامور مرهونة خلال الساعات المقبلة بمالات الاوضاع في غزة ومحيطها.
والى ان تنجلى صورة الاوضاع في غزة، يختم فرحات بأن الوضع في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا واستتباعاً على طول الحدود مع الكيان سيظل مفتوحاً على التوتر والرسائل النارية المضبوطة.