كتب ابراهيم بيرم: ظهر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ليل امس، ليرسم صورة جديدة من مسار الاستحقاق الرئاسي الآسر للمشهد السياسي منذ اشهر، خصوصاً بعدما دخلت عليه عناصر جديدة من شأنها ان تبدل في المعطيات التي ارتكز عليها زعيم المختارة ليطلق رؤيته لهذا الاستحقاق.
ليس جديداً القول ان مبتدأ هذه الرؤية، تبدت في اللقاء اليتيم الذي جرى بناء على مبادرة منه مع وفد قيادة حزب الله المؤلف من حسين الخليل ووفيق صفا، قبل ان يستكمله بلقاءات اجراها هو شخصياً وكلف مساعدين باستكمالها عبر زيارات لاحقة.
والواضح ان فريق الثنائي الشيعي واكب باهتمام اطلالة جنبلاط ليبني عليها، فوجد فيها ان الزعيم الاشتراكي يغلق الباب على مرحلة اطلقها حول هذا الاستحقاق، ويفتح باباً امام مرحلة اخرى من ابرز عناوينها:
– انني عدت الى قواعد الانطلاق الاولى وانكفأت عن اداء دور بيضة القبان الذي استشف البعض بأنني طامح الى العودة الى لعبه.
– انني لا استطيع ان اكون مطية لفريق الثنائي الشيعي لايصال مرشحه الحصري لسدة الرئاسة الاولى.
– كذلك لن امضي قدماً في خيارات المعارضة وتوجهاتها المبدئية، حتى وان كان الأمر يقتضي مني التراجع عن لائحة الاسماء الثلاثة التي عرضتها بداية على من يعنيهم الامر وسعيت الى تسويقها بكل جدية، والمستقاة من فكرة الرئيس التوافقي لا رئيس فريق.
وبذلك اسقط جنبلاط رهانين عقدهما كل من فريقي الصراع في الاستحقاق عليه، ليكون الى جانب واحد منهما، لترجح كفة مرشحه ومشروعه.
وعلى نحو اكثر تفصيلاً، المعلوم ان فريق الثنائي حرص مراراً خلال الاشهر القليلة الماضية على تسريب انطباع فحواه ان الصديق التاريخي لجنبلاط، اي الرئيس نبيه بري، قادر في اللحظة المفصلية على ان يأخذ منه تعهداً بالسير قدماً في خياره الرئاسي المعروف.
وكانت مصادر الثنائي المسيحي (حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر) تتحدث همساً عن ان جنبلاط هو الاحتياطي الاستراتيجي لنا، وسيكون في صفنا عندما نتفق على تسمية مرشح واحد ننزل به الى المجلس النيابي لننازل عبره المرشح الآخر انطلاقاً من اعتبارين اثنين: الاول ان سيكون مرشح الاكثرية المسيحية، والثاني انه سيكون مرشحاً توافقياً على غرار ما اعلنه جنبلاط.
وفي تقدير تلك المصادر، ان جنبلاط قرر العودة الى مربع الانتظار في ضوء مستجدات اقليمية وداخلية لم تكن موجودة عندما خطا الخطوة الأولى في مساره المبدئي، ومن هذه المستجدات:
– عدم تجاوب حزب الله مع مبادرته الاولى تجاهه، وهو تحدث في هذا الاطار بلسان “العاتب والخائب” عن ان الحزب لم يكلف نفسه حتى عناء الرد على هاتيك المبادرة.
– استمرار عصف الخلافات في صف المعارضة المسيحية مما منعها من الاجابة عن تحدي الرئيس بري وفريقه لها عندما دعاها الى منازلة في المجلس بين مرشح تنتقيه ومرشحه الثابت.
-اتفاق بكين وما حمله من مدلولات تاريخية على مستوى الاقليم، وما تلا ذلك من موقف سعودي مستجد اخرجه من حال التأويل والالتباس، وهو الموقف الذي نقله السفير السعودي وليد البخاري اخيراً والقائم على معادلة ان لا مرشح للسعودية تزكيه ولا فيتو تضعه على اي مرشح آخر. والاكيد ان جنبلاط يدرك ان مثل هذا الموقف في هذا التوقيت بالذات هو حمّال اوجه، وينطوي على مفاجآت، وهو ما يستوجب منه الرويّة واعادة النظر .
وثمة في فريق الثنائي من يقرأ في اطلالة جنبلاط خروجاً اولياً على معادلة كان روّج لها سابقاً، وابلغها الى الرئيس بري الذي سربها، وتقوم على اساس انه مهما كانت مآلات الاستحقاق الرئاسي، فانه لن يعود الى مربع الصراع والاختلاف المتفجر مع الحزب.
ولقد تبدت ارهاصات هذا التحول في كلام جنبلاط عندما قال انه “لا يشك بعروبة فرنجية، ولكن خيار الحزب ليس عربياً، وعندما ينهار المشروع العربي فان حزب الله يمتلك مشروعاً آخر”. فالحزب يخشى ان يكون هذا الكلام ينطوي على بوادر استعداد من جنبلاط للتراجع عن تعهد سابق للحزب.
ومما لا شك فيه، ان الحزب يعي تماماً ان جنبلاط لا يعود الى استخدام هذه النبرة الحادة والمنطوية على استعداد للعودة الى زمن المنازلات السياسية، الا اذا كان وضع نفسه في مرحلة اللايقين وعدم وضوح الصورة، وانه استطراداً بات يجد أن ثمة حاجة لمن يطمئنه ويبدد شكوكه.
ولا تخفي تلك المصادر، انها كانت تتوقع بلوغ جنبلاط مثل هذه المرحلة بعد اعادة سوريا الى حضن الجامعة العربية، وبعد انفتاح عواصم خليجية اساسية على نظام بشار الاسد.