كتب باسل عيد: بعد مرور سنة على الانتخابات النيابية اللبنانية الاخيرة التي جرت في 15 ايار 2022، والتي تلت ثورة شعبية لم يشهد لبنان مثيلاً لها في تاريخه الحديث، التي انطلقت مع بدء الانهيار الاقتصادي في هذا البلد، فشكلت تلك الانتخابات بالنسبة للكثيرين ممن شاركوا في تلك التحركات، بصيص أمل نحو التغيير والمحاسبة التي صدحت بها حناجرهم خلال التظاهرات.
في المجمل، فإن الانتخابات لم تأت بجديد. فالطبقة السياسية بمعظمها أعيد انتخابها، ماخلا كتلة من نواب “التغيير” التي كانت ترجمة لتطلعات من ثاروا. وتلك الكتلة أفرزت نوابها في معظم المناطق اللبنانية، إلا أن ثقل ناخبيها كانوا من المسيحيين والسنة (كان لاعتكاف “تيار المستقبل” أثر ايجابي لناحية رفع عدد النواب التغييريين في المناطق السنية).
دخل النواب ال13 (قبل ابطال النيابة لاحقا عن رامي فنج لصالح فيصل كرامي بفعل قرار المجلس الدستوري بعد بت الطعن) الى البرلمان على حصان ابيض، في نظر ناخبيهم، الذين أولوهم ثقة لا متناهية على أنهم الذين سينقذون الناس من الواقع الرث.
إلا أن الآمال سرعان ما بدأت تتضاءل وتتلاشى، ليتبين لاحقاً ان هؤلاء “التغييريين”، او معظمهم على الاقل، لم يكونوا محل ثقة من آمن بهم وهرول الى صناديق الاقتراع ليسقط بها أسماءهم.
وتدرج الأمر من انقسام في كتلتهم، بدءاً من انتخاب رئيس مجلس النواب ومن ثم نائبه، مروراً باستعراضات فلكلورية لا تسمن ولا تغني، وصولاً الى مواقفهم التي ساهمت في وضع العصي في دواليب المعارضة في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية. تلك الكتلة، او معظم اعضائها، يتحملون القسط الاكبر من المسؤولية لجهة عدم اتفاق المعارضة على اسم واحد للرئاسة، وهم بالتالي يساهمون عن قصد او عن غير قصد في تمتين مواقف الفريق المقابل، الذي استطاع الاتفاق على اسم (سليمان فرنجية) بعد ان كان عاجزاً عن ذلك من ذي قبل.
عثرات نواب “التغيير” بدأت مباشرة بعدما وصلوا الى المجلس النيابي، على وعد إنهاء كل الاوضاع الشاذة في البلد وايصال الاداء السياسي الى الطريق الصحيح. وكان الاستحقاق الرئاسي اكبر اختبار جدي لهم، أثبتوا رسوبهم فيه منذ الوهلة الاولى. فبداية هم رشحوا سليم إده لرئاسة الجمهورية، ليتضح لاحقا أنه لم يبد اي حماسة للترشح، فشكل الامر سقطة كبيرة لهؤلاء.
أما أن تنقسم كتلة في موضوع التسميات، فهو أمر محير ويطرح جملة اسئلة عن مدى وحدة قرار تلك الكتلة، فمنهم من صوت لاحقاً لعصام خليفة، ومنهم من صوت لميشال معوض.
وهناك ما اعتبره البعض “سذاجة” نواب “التغيير” في وجه خطر التغييرات الاقليمية والاوضاع الداخلية وعلى رأسها ملف رئاسة الجمهورية، تجلت من خلال قرار النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا بالاعتصام في مجلس النواب، بطريقة فلكورية – شعرية، وما تخللها من اضاءة للشموع في خطوة اثارت نوعاً من السخرية في اوساط ناخبيهم الذين اعتبروا ان ذلك الاعتصام أمر اقرب الى العبث.
لكن أخطر ما ارتكبه “التغييريون”، أنهم وبعد اتفاق المعارضة على استراتيجية موحدة للوقوف في وجه ترشيح سليمان فرنجية ومنع انتخابه من خلال تعطيل النصاب، كما اعلن النائب سامي الجميل، خرج النائب ملحم خلف ليعلن انه والنائبة نجاة صليبا “ضد مخالفة الدستور” في موضوع تعطيل نصاب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ما شكل ضربة لموقف المعارضة ووحدة قرارها.
باختصار، هذا هو حال نواب “التغيير”، الذين يغردون في سربهم الخاص، المنقسم بدوره فيما بينهم، وهم بذلك يؤدون خدمة كبيرة لفريق السلطة و”حزب الله”، منقلبين بذلك على الوعود التي قطعوها لناخبيهم بفرملة موبقات تلك السلطة وصولاً الى محاسبتها، حتى باتوا في نظر الكثير من اللبنانيين ومعظم من انتخبهم، باتوا عبئاً على المجلس النيابي وفقط (كمالة عدد) من دون انتاجية او فاعلية، وان دورهم يقتصر فقط على شق صف المعارضة لمصلحة السلطة.
في الختام، وبعد مرور سنة كاملة على الانتخابات النيابية، فإن أكثر ما حققه نواب “التغيير”هو: صفر إنجاز.