كتب حلمي موسى: يسعد صباحكم. وأمل يتجدد كل يوم بانتهاء الغمة وقرب الفرج وانكسار العدوان. ففي انتظار العدو معركة قضائية لا تقل اهمية عن اتهامات الابادة الجماعية في لاهاي. حيث بانتظاره قرار جديد في محكمة العدل الدولية بشأن شرعية الاحتلال واستمراره في ١٩ فبراير القريب. والملاحقات القضائية ستطارد قادة الاحتلال في كل مكان الى جانب اشكال مقاومته الاخرى حتى نيل شعبنا حقوقه.
تنتظر اسرائيل برهبة امر مثولها من جديد أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. وثمة خشية متصاعدة من ان تكرار مثولها امام المحكمة الدولية يلحق بها اضرار معنوية واقتصادية وربما سياسية هائلة نظرا لما يعنيه ذلك في الرأي العام الدولي.
وستجتمع المحكمة في لاهاي في التاسع عشر من شهر فبراير أي بعد حوالي ٣ اسابيع فقط لمناقشة أخرى للاتهامات ضد إسرائيل، هذه المرة بناء على طلب السلطة الفلسطينية • اذ على جدول الأعمال: الوضع القانوني في المناطق •
ويدور الجدل في اسرائيل حول الفرق بين الإجراء والدعوى القضائية ضد الحرب. ولا يقتصر الجدل على المسألة النظرية بل يتخطاه الى تحديد هل من الواجب أن تمثل إسرائيل أمامها، وما هي التبعات الاقتصادية التي قد تترتب على هذه المشاركة.
وستجتمع محكمة العدل الدولية في لاهاي لبحث المطالبات ضد إسرائيل مرة أخرى، وهذه المرة ستتركز المناقشة على الاتهامات ضد الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، وسوف تستمر الجلسة ستة ايام. وستعقد الجلسة في إطار طلب الرأي القانوني الذي أرسلته الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى المحكمة بناء على طلب الفلسطينيين في نهاية عام 2022.
وجاء هذا الإجراء بمبادرة من الرئيس الفلسطيني أبو مازن، الذي طلب من الأمم المتحدة الحصول على رأي من المحكمة من أجل ممارسة الضغط القانوني والسياسي على إسرائيل. تمت الموافقة على الطلب في ديسمبر 2022 بأغلبية 87 دولة مقابل 26 ضد وامتناع 53 عن التصويت. وهذا إجراء مختلف عن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
اذ تتعامل المحكمة مع نوعين من الإجراءات: تقديم فتاوى للأمم المتحدة باعتبارها الهيئة القانونية للأمم المتحدة؛ والمطالبات بين الدول عندما يتم منح الموافقة من قبل الطرفين في جلسة الاستماع. وفي حين أن القرار في الدعاوى القضائية ملزم، فإن الرأي القانوني غير ملزم للدولة.
ورغم عدم الزامية قرار المحكمة في هذا الشأن الا ان ستة أيام من جلسات الاستماع وشرح الاتهامات والمواقف من المتوقع أن تحدث تظاهرة عالمية غير عادية مناهضة لإسرائيل، وفي نهايتها ستقرر المحكمة ما هو الوضع القانوني. ومن المتوقع أن تقف أكثر من 50 دولة وتعبر عن مواقفها، بالإضافة إلى ثلاث منظمات مؤيدة للفلسطينيين انضمت إلى العملية – منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي.
ومن المتوقع أن يصدر رأي المحكمة فقط في نهاية عام 2024.
والسؤال الموجه إلى المحكمة هو: ما هي الأهمية القانونية للاحتلال المستمر في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة (قبل 7 أكتوبر)؟ وحسب خبراء قانون اسرائيليين يريد الفلسطينيون أن يشكلوا سابقة وأن يجعلوا المحكمة تقرر أن الوجود الإسرائيلي المستمر في المناطق ليس مؤقتا، وبالتالي غير قانوني. ومن خلال القيام بذلك، يسعى الفلسطينيون إلى إحداث تغيير في الافتراض القائل بأن السيطرة على المناطق سيتم تحديدها باتفاق الطرفين. إنهم يحاولون فرض العقوبات على إسرائيل من أجل إخراجها من المناطق.
ويقول خبراء في المجال الدولي إن هناك خطرا من أن تقرر المحكمة أن الوجود في المناطق غير قانوني.
ويتساءل الخبراء الاسرائيليون عن ماهية العواقب المحتملة على إسرائيل ويشيرون الى أن فرصة فرض العقوبات في الأمم المتحدة منخفضة في ضوء الفيتو الامريكي في مجلس الأمن، فإن أهمية القرار المناهض لإسرائيل من قبل المحكمة يمكن أن يدفع الدول والشركات المتعددة الجنسيات وصناديق رأس المال إلى تغيير السياسة تجاه إسرائيل في العالم، والإضرار بصورتها وإضفاء الشرعية على مقاطعة الدول المتنوعة وحركة المقاطعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن اتخاذ قرار ضد إسرائيل فيما يتعلق بالاحتلال قد يؤدي إلى اتخاذ المحكمة الجنائية الدولية إجراءً للنظر في محاكمة الإسرائيليين.
ووفق المحامي الدكتور روعي شايندروف الناىب السابق للمستشار القضائي للحكومة لشؤون القانون الدولي
” هناك كثير جدا من الدول ترى في الراي الاستشاري للمحكمة الدولية تعبيرا عن الوضع القانوني القائم ولذلك فإنها تعمل وفقها. ومثلا يمكن للعديد من الدول الاورولية أن تنطلق من الرأي الاستشاري لتتخذ خطوات فعلية لتنفيذ موجبات هذا الرأي.
وفي نظره مثل هذه الخطوات قد تتمثل
في رفض منح تراخيص تصدير واستيراد من والى اسرائيل لانواع معينة من البضائع والمعدات, وتحذيرات لجهات اقتصادية بشأن مخاطر قانونية في تنفيذ صفقات مع اسرائيل, ومطالبات بوضع علامات على منتجات مصدرها الضفة الغربية, وحظر استخدام اموال الضرائب في هذه الدول لتمويل نشاطات في الضفة الغربية، وفي حالات اخطر منع تمويل نشاطات في كل اسرائيل”.
واضاف شايندروف ان الشركات الدولية وهيئات الاستثمار يمكنها أن تعيد تقييم السياسات بشأن لنشاطات داخل اسرائيل. وجزء من هذه المواقف سنسمع بها وجزء آخر سيحدث دون ان ندري به أصلا”.
ويقول المحامي شارون سوفرين الخبير في قوانين التجارة الدولية, يوضح ان لاسرائيل اتفاقيات تجارة مع دول كثيرة تتعلق بمنتجات اسرائيلية تدخل تلك الدول من دون ضرائب وفقا لهذه الاتفاقيات.
ويوضح ان ” القرار المتعلق بالمناطق يمكن ان يلغي هذه التسهيلات ويزيل المنتجات الاسرائيلية من هذه المناطق عن قائمة المنتجات المعفاة من الضرائب في اسرائيل ذاتها. وحاليا هناك دول تصر على معرفة المكان الذي جاء منه المنتج الاسرائيلي، لكن قرار المحكمة الدولية يمكن ان يغلق هذا الباب”.
ومشكلة اسرائيل الفعلية تتمثل حاليا في ان استمرار تعرض اسرائيل وقادتها لملاحقات قانونية دولية ووطنية في دول مختلفة يقضي على صورة اسرائيل كدولة ديمقراطية في الغرب. فالاتهامات بابادة جماعية وارتكاب جرائم حرب لا يمكن ان نمر هكذا في ضوء تحركات جماهيرية عالمية ضد اسرائيل وجرائمها. وفي نظر خبراء قانون اسرائيليون يشكل تراكم الاتهامات واجتماعها حالة تسهم في تغيير موقف الرأي العام الاوروبي والغربي من اسرائيل ويدمر صورتها واي تعاطف معها. ومن المهم معرفة انه كان لترؤس جنوب افريقيا الاتهام لاسرائيل بالابادة الجماعية للفلسطينيين دور في الربط بين هذه الجرائم ونظام الابرتهايد والفصل العنصري.
فاجتماع الاتهامات بالابادة وجرائم ضد الانسانية والفصل العنصري وجرائم الحرب كفيلة بان تخلق كرة ثلج تتدحرج الى درجة لا يعود في الوسع تقبل اسرائيل وهو ما جرى اصلا لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. وهذا بالتأكيد سوف يلحق اضرارا ملموسة بالشركات وبالتالي بالاقتصاد الاسرائيلي. ومن المؤكد ان هذه الاجواء تخدم حملات مقتطعة اسرائيل التي تتعاظم في ارجاء العالم.
المهم أن اسرائيل حتى الان لم تتخذ بعد قرارا ان كانت ستمثل امام المحكمة الدولية في التاريخ المحدد ام لا. وهي لا تزال تدرس عواقب المثول او عدم المثول.