كتب إبراهيم بيرم لأخباركم – أخبارنا: في عجالة، أمّن رئيس مجلس النواب نبيه بري “التحصينات والدفاعات” اللازمة لدفع الحملات الضارية التي تشن ضد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، بعدما بدا في اضعف حالاته حين هبّت في وجهه عاصفة الاعتراض والتشكيك بقبوله هبة المليار يورو (مقسطة على ثلاثة اعوام) من الاتحاد الاوروبي، والتي اتت تحت بند دعم لبنان لتحمله أعباء وجود اكثر من مليوني نازح سوري موجودين قسراً على اراضيه، وهو ما عدّه المعترضون الكثر انه “رشوة” متواضعة لكي لا يمضي لبنان في المطالبة بترحيلهم.
كان متوقعاً ان لا يخلف بري الميعاد وينكث العهد مع الرئيس ميقاتي، الذي سارع إلى الاستنجاد به، فسارع رئيس المجلس بدوره الى تحديد موعد (الاربعاء المقبل) لجلسة مناقشة عامة في المجلس النيابي بهدف تأمين غطاء شرعي ودستوري لقبوله الهبة الاوروبية مقرونة بأمر اشد وادهى وهو تيسير العمل الموسمي للبنانيين في دول اوروبية، فحقق الأمران المتلازمان فعلهما المدوي في الاوساط اللبنانية كافة.
واستتباعاً، ظهر المعاون السياسي للرئيس بري، النائب علي حسن خليل، ليقدم دفاعاً اكثر جرأة عن الرئيس ميقاتي عندما استغرب في تصريح، الحملة الشرسة التي يشنها كثر على الهبة الاوروبية ويشككون بها كونها تضيّع البوصلة وتحرف الانظار عن المعضلة الاساس، اي “مشكلة النزوح نفسها وسبل ايجاد المعالجات لها”.
وفي خلفية المشهد، كان ثمة درع آخر للرئيس ميقاتي وان كان متصفاً بالنعومة يؤمنه “حزب الله”، تمثل بخطاب شبه موحد ورد في الساعات الماضية على لسان كل الناطقين عادة باسم الحزب، وهو خطاب تركز على النقاط الاتية:
- ان قضية النزوح السوري وتفاعلاتها قضية بالغة التعقيد والتشعب ويتعين مقاربتها بغير هذا الاسلوب الشعبوي.
- ان الجذر الجوهري للمشكلة يتجسد في امرين: الاول الحماية التي يوفرها صراحة الاتحاد الاوروبي لبقاء النازحين حيث هم في الربوع اللبنانية كافة الى اجل غير مسمى، وبناء لاعتبارات وفلسفة معينة. والثاني حزمة العقوبات الظالمة التي يفرضها الغرب على سوريا واقتصادها عموماً. اذ أن هذه العقوبات ادت فيما ادت اليه، الى رفع عديد النازحين الى لبنان وبيانات المنظمات الدولية المعنية تشهد على ذلك، فضلاً عن هذه العقوبات افضت كما هو معلوم الى انكماش حاد غير مسبوق في الاقتصاد السوري، وعطلت فرص اعادة الاعمار التي كان مأمولاً في فترة من الفترات ان تنطلق لتكون بمثابة عامل جذب لاعادة النازحين الى ديارهم، ليجدوا لهم فيها مكان عمل واستقرار.
لم يكن احد يراهن على ان تفضي عاصفة الاعتراض الشرسة التي هبت في وجه الرئيس ميقاتي الى “محاصرته” ومحاصرة حكومته. فالمعلوم ان حكومته هي حكومة تصريف اعمال، وهي تحظى بحمايات داخلية وحصانات خارجية، نظراً للحاجة الماسة الى وجودها ودورها لادارة الاوضاع والازمات في ظل الشغور الرئاسي الطويل .
وعلى الرغم من ذلك، فان ميقاتي لم يكن قادراً على استيعاب تلك الحملة والحد من تداعياتها لوحده، لا سيما بعدما تحولت الى ما يشبه الانتفاضة ومادة السجال اليومية، وبعدما انبرى الرباعي المسيحي الاقوى، اي بكركي والتيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب الى قيادتها والمضي بها من دون تهاون.
واللافت ان حماوة القضية قد دفعت بغالبية النواب المسيحيين المستقلين الى الانضمام لهذا الحراك والسير في ركابه.
وثمة في الوسط “الموالي” من يرى أن حراك الشارع المسيحي والحزبي والروحي انما أتى لأهداف متعددة، وفي مقدمها أنها عملية تصفية حساب بمفعول رجعي مع الرئيس ميقاتي وحكومته التي غطت بادائها وسلوكها عملية اطالة امد الشغور الرئاسي، فضلاً عن انها افرطت في التعدي على صلاحيات الرئاسة الاولى ولم تقم وزناً للاعتراضات التي اطلقت في مناسبات عدة.
في المقابل، كان للتيار البرتقالي حساب اعمق واكثر حدة مع ميقاتي وحكومته، كونها “تمردت” على رغباته وتوجهاته منذ ان صارت حكومة تصريف اعمال بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، مضافة اليها سنوات من التصارع والتباين.
وتقر اوساط سياسية ومن ضمنها الثنائي الشيعي، ان حزب القوات له فضل ريادة هذا الحراك الاعتراضي المتجدد انطلاقاً من واقعين:
الاول، مقتل احد رموزه القيادية في جبيل باسكال سليمان على يد عصابة اجرام مؤلفة حصراً من سوريين بطريقة مأساوية.
وعلى الرغم من ان قيادة حزب القوات ظلت مقيمة على تشكيكها بهذه الرواية التي قدمتها اجهزة امنية رسمية والتي تبطل روايتها الاولى والتي اصرت على اعتبارها جريمة تمت على خلفيات سياسية، الا ان هذه القيادة وجدت نفسها في نهاية المطاف منساقة الى اقصى الحدود في موجة الغضب الشعبي المسيحي على النزوح السوري وما يخلفه من كوارث على صعد عدة.
الثاني، ان حزب القوات استغل المناسبة لكي يدرأ عن نفسه نهائياً شبهة مزمنة سارع خصومه الى رشقه بها، وهي انه كان متحمساً في البدايات إلى فتح الحدود على مصراعيها امام موجات النزوح السوري، وكان رافضاً لكل الروايات عن المخاطر المستقبلية لهذا النزوح كما استخف بكل الدعوات التي اطلقت لتنظيم هذا النزوح على غرار اجراءات اتبعتها تركيا والاردن.
إزاء كل هذا الصخب المنفلت من عقاله في الايام الماضية حيال قضية النزوح، فان السؤال المطروح هو ما المدى المحتمل ان يبلغه هذا الحراك، وهل يمكن ان يؤدي الى تغيير الصورة النمطية لهذا الوجود؟
من البديهي القول، ان هذا الحراك ليس الاول من نوعه، اذ أن تاريخ النزوح السوري والممتد الى اكثر من 12 عاماً يشهد على عشرات التحركات من هذا النوع.
والمعلوم ان “حزب الله” يعتبر نفسه السبّاق في هذا الاطار، فهو ألّف لجنة مهمتها المساهمة في اعادة النازحين ونظم عمليات اعادة.
فضلاً عن ذلك، ادى الامن العام اللبناني ادواراً في هذا الاطار من خلال زيارات الى دمشق، اضافة الى اجراءات تسهل العودة للراغبين، كانت بمثابة تشجيع لهم.
لكن كل تلك الجهود بقيت محدودة الاثر والجدوى، باستثناء انها كانت دليلاً على ان لبنان الرسمي لم يخضع للامر الواقع، وانه مستمر في اثارة القضية واطلاق الضجيج حولها.
وبناء عليه، فان التقييم السائد عند من وضعوا انفسهم خارج الاصطفاف الذي يقود حالياً “الانتفاضة” على النزوح السوري، ان كل هذا الجهد المبذول حراك مطلوب لكنه لن يؤدي الى اي نتيجة كبرى ما دام ان الوجود السوري في لبنان “محمي” من الغرب.