كتب ابراهيم بيرم:
لا شك ان ( ا ل ح ز ب) قد اعد العدة لمشاركة فاعلة في ورشة التحشيد والتعبئة الدائرة على خلفية المجزرة – الفاجعة التي ارتكبها الاسرائيليون عصر اول من امس عبر قصفهم المتعمد للمستشفى المعمداني في غزة والذي خلف وفق اغلب التقديرات ما بين 500 الى الف ضحية بين قتيل ومصاب.
اذ ان هول الجريمة هو محطة اساسية لتعزيز منطق الحزب وخطابه السياسي القائم على مبدأ اساس في خطاب محور المقاومة وهو ان ” عدوا بهذه الروح العدوانية والهمجية لايفهم الا بلغة التخاطب بالنار “.
لكن هذا الفعل المتوقع والمشروع في هذه اللحظة لا يعفي ا ل ح ز ب من مسؤولية الاجابة والرد على العديد من التساؤلات الملحة التي توجه اليه سواء من خارجه الكاره والمحبذ والمتحدي او من داخل قاعدته الجماهيرية التي بدا القلق والسأم يساورها .
وبمعنى آخر زاد الحدث الاخير المدوي في غزة من منسوب التحديات التي تتراكم يوماً وساعة بعد ساعة في وجه الحزب بعدما تصدى طائعاً لمهمة كبرى مكلفة وشاقة، بعدما وضع نفسه في موضع الرديف المساند لحركة “حماس” التي يجتمع معها تحت لواء محور الممانعة، خصوصاً بعدما اطلقت هذه الحركة عملية ” طوفان القدس ” معلنة بذلك اجتياحها للكثير من الخطوط الحمر التي بدت لعقود خلت عصية على الخرق.
وعلى هذا الاساس، فتح الحزب كما هو معلوم ابواب المواجهات على الحدود الجنوبية امام الكثير من الاحتمالات المبنية على وعد بالعديد من المفاجات والبشائر.
في الايام العشرة الاولى التي تلت انطلاق ” طوفان القدس “، نجح الحزب في ابتداع نوع من المنازلات مع قوات الاحتلال، حيث كان بامكانه عبرها انها وان لم تكن تفي بالوعود التي اطلقها سابقاً والمتمحورة حول التحضير والاستعداد لاجتياح بري لمنطقة الجليل الاعلى المحتل بالحد الادنى، الا انه كان بامكانه ان يتغذى على تقديرات اطلقتها القيادة العسكرية الاسرائيلية، وفحواها ان فعل الحزب اليومي على الحدود قد افلح في تجميد اكثر من ثلث القوة العسكرية الاسرائيلية على الجبهة الشمالية ما خفف من منسوب الضغوط على غزة وما تحتويه من جمهور وفصائل، واجبر الاحتلال على التفكير الف مرة قبل الشروع في اجتياح بري للقطاع، وهو الخيار الذي لوح به مراراً قبل نحو اسبوع وقصر في ان يكون عند تهديده . واستطرادا نجح ا ل ح ز ب في ارساء اسس معادلة مشاغلة عسكرية يومية اثبتت انه فعلاً لا قولاً مع حماس ومن سار معها في درب المواجهة، وانه في الوقت عينه لم يدع للاحتلال مبرراً لتوسيع دائرة الرد على نحو يفتح ابواب المعركة اللامحدودة زمناً واتساعاً ، فظلت اللعبة ضمن قواعدها التقليدية رغم ان الحزب نجح بأن يرفع من وتيرة المشاغلة نوعاً وكماً مدخلاً فيها العنصر الفلسطيني ليعطيها صورة اشمل .
ومع ذلك يبقى السؤال هل هذا النهج الذي اتبعه (ا ل ح ز ب) خلال الايام العشرة الخوالي وكلفه اكثر من 16 عنصراً، ما زال صالحاً للاتباع في مرحلة ما بعد مجزرة المستشفى المعمداني وانه سيعود اليه ثانية؟
ما يزيد في مشروعية السؤال ان ا ل ح ز ب سبق وجاهر بعد ساعات من انطلاق حماس في عمليتها بموقف جوهره رهن مسألة دخوله في المواجهة من الحدود الجنوبية بمسار التطورات الميدانية في غزة وتحديداً بمسألة هل ينفذ العدو تهديده ووعيده بهجوم بري على غزة يجتاح فيه القطاع المحرر منذ نحو عشرين عاما وينجح عبره في سحق حماس كما توعد قادته.
هناك من يرى بأن الاسرائيلي لم يعد محتاجاً بالاصل الاقدام على اجتياح بري لغزة فالمدينة استحالت بمعظمها الى انقاض قد لا تصلح للحياة بعدما سوي اكثر من نصف مبانيها بالارض، واضطر ما يقرب من نصف قاطنيها على النزوح في تيه ثالث، وبذا فقدت المدينة وقطاعها مزية انها اكبر تجمع للاجئين في اصغر بقعة جغرافية من معالمها انها استعصت طوال سنوات تحررها على الاحتلال وخاضت معها ثمانية حروب متتالية.
يصعب كثيراً لا بل يستحيل الحصول على جواب جلي من ا ل ح ز ب على مثل هذا التساؤل الذي يطرحه عليه كثر منذ اليوم الاول للمواجهات . اذ انه معتصم بالصمت و”الغموض البناء” معتبراً ذلك انه جزء من ادارة المواجهة وجزء اساسي من عناصر قوته.
فضلاً عن ذلك، فان ا ل ح ز ب يرد بانه اعتاد منذ انطلاقته الاولى الا يقدم ولا يحجم على خطوة او فعل تحت وطاة اي ضغوط او تساؤلات توجه اليه من هذه الجهة او تلك او ان يستدرج الى دور رد الفعل.
ومع ذلك، فان بعض من هم على صلة بعقول الحزب الاستراتيجية يسمحون لانفسهم بتعميم تصور تقريبي لما يمكن ان يكون عليه سلوك الحزب بعد مجزرة المستشفى وهو ينهض على الاسس الاتية:
– انه ما زال يحافظ على دور المدافع وليس المهاجم وانه استطراداً لم يتجاوز بعد حدود البلاد . – انه من هذا الموقع بالذات ( الدفاعي ) يمارس ضغوطاً عسكرية على الاحتلال الذي صار عنده مكبل اليدين والعاجز عن المبادرة لانه صار خاضعاً للنصيحة الاميركية التي املت عليه الا يوسع نطاق المواجهة على نحو يبرر للحزب بالذات دخول المعركة لأن من شأن ذلك ان يعدل الاتجاهات ويبدل الحسابات .
– من نافل القول ان ا ل ح ز ب على تنسيق عبر ادارة مشتركة مع حماس والفصائل الاخرى، وعلى اساس هذا يرسم خطواته . وهو يعتبر ان حديث القيادي في الحركة خالد مشعل والذي اعتبر ان كل فعل الحزب العسكري هو دون المطلوب وغير كاف ، هو نوع من مزايدة غير المطلعين على بواطن الامور لأن الامر تقني بحت تجهل تفاصيله الكثير من القيادات السياسية العاملة عند حماس فكيف بالقيادات الشرفية البعيدة عن دائرة القرارات الكبرى .
– ان الاسرائيلي هو في ذروة الارباك بدليل عودته الى الحديث عن ” ايام قتالية ” علما انه يعرف ان لا وجود لهذا المصطلح في القاموس العسكري ..
– لا يجد ا ل ح ز ب نفسه معنيا بالاجابة على السؤال المطروح عما اذا كان سيعيد بعد مجزرة المستشفى النظر بمواقفه والاهم بخطواته العملانية من الان فصاعدا ، لانه شريك مباشر في المنازلة الدائرة، لذا يفترض ان يكون الشركاء معاً يحسبون الحساب لأي مستجد وطارىء اذ لا يمكن في معركة على هذا القدر العالي من الجسامة ان تترك فيها الامور للمصادفات والمفاجآت.