كتب مسعود محمد: انتخب الاوروبيون أمس مجلسهم البرلماني الذي ينتخبونه مرة كل خمس سنوات، ويختلف موعدها بين دول الاتحاد حيث بدأت الخميس الماضي في هولندا ثم يوم الجمعة في أيرلندا، والسبت في كل من لاتفيا ومالطا وسلوفاكيا في حين صوت الناخبون في بقية دول الاتحاد الأوروبي وعددهم 21 دولة أمس الأحد. واختار الاوروبيون وعددهم 360 مليون ناخب 720 عضوا بالبرلمان الأوروبي ومقره في ستراسبورغ بين آلاف من المرشحين، والذي سيختار لاحقا من سيترأس المفوضية الأوروبية (الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي) والمجلس (الذي يمثل دول الكتلة).
وتعد هذه الانتخابات هي العاشرة منذ أول انتخابات مباشرة في عام 1979، كما أنها أول انتخابات للبرلمان الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد.
وتميزت هذه الانتخابات بمنافسة شرسة بين الأحزاب الأوروبية بجميع أطيافها، اليمين واليسار والوسط، والتي قد تكون مصيرية للعديد منهم سواء كان على المستوى الوطني أو الأوروبي، في ظل صعود تيار اليمين المتطرف في معظم دول الاتحاد والرافض للهجرة. كما أن حزب الشعب الأوروبي على وجه الخصوص أثار الدهشة نظرًا لجهوده لجذب الأحزاب ضمن كتلة المحافظون لإنشاء كتلة محافظة واسعة يمكن أن تزعزع توازن القوى الذي استمر لفترة طويلة بين حزب الشعب الأوروبي مع الاشتراكيين والديمقراطيين من يسار الوسط ومجموعة تجديد أوروبا الوسطية.
الانتخابات
وجرت أمس الأحد الانتخابات في فرنسا وألمانيا والمجر واليونان والنمسا وهي البلدان التي من المتوقع أن يترك فيها اليمين المتطرف بصمته في صناديق الاقتراع، بالإضافة إلى إيطاليا وإسبانيا، حيث بدأت إيطاليا التصويت السبت لكنها لن تغلق مراكز الاقتراع إلا بعد ظهر امس.
صعود وانقسام اليمين المتطرف
شهدت الانتخابات الأوروبية صعود تيار اليمين المتطرف في عدد من الدول في مقدمتها ألمانيا، محدثة زلزالا سياسيا بفرنسا، لكن من دون الإخلال بالتوازن السياسي ببروكسل. لكن رغم تقدم اليمين المتطرف سيكون تأثيره محدودا حسب مراقبين.
تؤكد المعطيات الأولية لنتائج انتخابات البرلمان الأوروبي إحراز الأحزاب اليمينية القومية والمتطرفة مكاسب هامة، وانتكاسة مريرة لزعيمي القوتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي، المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن حلّ الجمعية الفرنسية ودعا لانتخابات تشريعية في 30 حزيران/ يونيو الجاري.
انقسام اليمين المتطرف
لكن اليمين المتطرف منقسم في البرلمان الأوروبي إلى كتلتين لا يزال تقاربهما غير مؤكد بسبب خلافات كبيرة بينهما، خاصة في ما يتعلق بروسيا.
وبحسب مصادر في البرلمان الإيطالي تحدثت مع موقعنا اخباركم – أخبارنا أصوات اليمين المتطرف واليمين السيادي لا يمكن جمعها معا، وهذا سيحد من وزنهما المباشر في المجلس التشريعي”. وأضافت أن صعود اليمين المتطرف “الواضح خصوصا في فرنسا، وإيطاليا واسبانيا سيؤثّر حتما على المناخ السياسي الذي تعمل فيه المفوضية، وسيتعين على الغالبية أن تأخذ ذلك في الاعتبار”. وقالت المصادر “في حال فشل القوى المعتدلة في التأثير بشكل مباشر، سيكون اليمين المتطرف قادرا على التأثير بشكل مقلق”.
واكد المصدر انه “يمكن لليمين المتطرف أن يجعل صوته مسموعا في القضايا الحاسمة: الدفاع ضد روسيا التوسعية، والسياسة الزراعية، والهجرة، والهدف المناخي لعام 2040، ومواصلة التدابير البيئية التي يرفضونها بشدة.”
تبقى الغالبية مشكّلة من أحزاب “الائتلاف الكبير” الوسطي الذي يضم اليمين (حزب الشعب الأوروبي)، والاشتراكيين الديموقراطيين، والليبراليين (التجديد)، والذي تحصل عادة في إطاره التسويات في البرلمان الأوروبي.
فرنسا
ففي فرنسا، اختار الناخبون البالغ عددهم 49.7 مليون، مسجلين على القوائم الانتخابية، 81 عضوا في البرلمان.
وفي فرنسا، تصدر حزب التجمع الوطني بقيادة جوردان بارديلا النتائج بنسبة تزيد على 31,5 بالمئة من الأصوات، متقدما بفارق كبير على حزب النهضة الذي يتزعمه الرئيس ماكرون (15,2 بالمئة)، بحسب تقديرات معاهد الاستطلاع. وبذلك سيحصل حزب الجبهة الوطنية على 31 من أصل 81 مقعدا فرنسيا في البرلمان الأوروبي.
ألمانيا
وفي ألمانيا، احتل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف المركز الثاني بنسبة 16 إلى 16,5 بالمئة من الأصوات، خلف الاتحاد المسيحي المحافظ (29,5 إلى 30 بالمئة). و تقدم بفارق كبير على حزبي الائتلاف الحاكم، الاشتراكيين الديموقراطيين (14 بالمئة) والخضر (12 بالمئة).
إيطاليا
في إيطاليا، تصدّر حزب “إخوة إيطاليا” اليميني المتطرف الذي تتزعمه رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، النتائج بنسبة 25 إلى 31 بالمئة من الأصوات، وفق استطلاعات رأي مختلفة.
النمسا
في النمسا، حصل “حزب الحرية” اليميني المتطرف على 27 بالمئة من الأصوات، وعزز الهولنديون الذين كانوا أول من أدلوا بأصواتهم الخميس، موقف حزب خِيرت فيلدرز اليميني المتطرف.
إسبانيا
وفي إسبانيا، أظهرت النتائج الرسمية حصول الحزب الشعبي اليميني، التشكيل الرئيسي للمعارضة الإسبانية، على 22 مقعدا في البرلمان الأوروبي مقابل 20 للاشتراكيين بزعامة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، وحقق حزب فوكس اليميني المتطرف تقدما بحصوله على 6 مقاعد.
من جهتها لم تستبعد رئيسة المفوضية الحالية والمرشحة لولاية جديدة مدتها خمس سنوات، أورسولا فون ديل لاين، إغراء أصوات اليمين المتطرف الذي يتبع الإيطالية جورجيا ميلوني للفوز.
دوافع التصويت لليمين
وتضرر عديد الناخبين من أزمة تكلفة المعيشة، وتساورهم مخاوف بشأن الهجرة وتكلفة التحول الأخضر، ويشعرون بالانزعاج بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، ولذلك فقد استغلت الأحزاب المتشددة واليمينية المتطرفة هذا القلق وعرضت على الناخبين بديلاً للتيار الرئيسي.
توقعات أولية
ووفق التقديرات التي نشرها البرلمان الأوروبي مساء الأحد، فإن حزب الشعب الأوروبي سيحصل على 181 مقعدا، والديموقراطيون الاشتراكيون 135 مقعدا وكتلة تجديد أوروبا 82 مقعدا، أي 398 من إجمالي 720 مقعدا. ومن المتوقع أن ينخفض عدد مقاعد الخضر إلى 53 مقعدا (مقارنة بأكثر من 70 حاليا).