
كتب باسل عيد: تلقى عدد من اللبنانيين على هواتفهم الجوالة مؤخراً، رسالة نصية من برنامج “دعم”، الذي أطلقه منذ سنتين عدد من الوزارات في الحكومة اللبنانية، وعلى رأسها وزارة الشؤون الاجتماعية، بهدف مساعدة الأسر اللبنانية على مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية، وجائحة كوفيد 19، التي كانت في بداية انتشارها حينها، والتخفيف من وطأة رفع الدعم وغلاء الأسعار.
وبحسب ما أعلنه البرنامج على صفحته الرسمية، فإن شبكة “دعم” وبرنامج “أمان”، “يستهدفان 150 ألف أسرة لبنانية من الأسر الأكثر فقراً. أما برنامج التغطية الواسعة للمساعدات النقدية المعروف بالبطاقة التمويلية، فيستهدف أسر لبنانية مقيمة في لبنان باستثناء الأسر المستفيدة من برنامجيْ أمان وحياة والأسر الميسورة، وتقدم مبلغًا شهريا قدره 20 دولاراً أميركياً لكل فرد من أفراد الأسرة، على أن يكون الحد الأقصى للأفراد المستفدين 6 أفراد، بالإضافة إلى مبلغ ثابت بقيمة 25 دولاراً أميركياً للأسرة الواحدة”.

وما أن أطلقت الدولة “الكريمة” هذا البرنامج، حتى بدأت آلاف الأسر اللبنانية، من الطبقة الوسطى سابقا، والتي أصبحت بمعظمها، أو كلها، على مستوى خط الفقر، بالاضافة الى الأسر الفقيرة وتلك التي ترزح في قعر الحاجة والعوز، بالتسجيل في ذلك البرنامج عبر ملء الاستمارات الالكترونية، وتعبئة ما تضمنتها من طلبات معلومات تتعلق بالمسجلين، من دخلهم الشهري واملاكهم وعدد افراد الأسرة وطبيعة سكنهم وما الى ذلك من معلومات. وبطبيعة الحال، وبما أن الواقع الرث لمعظم اللبنانيين لا يسر القلوب ويدعو الى بالغ الشفقة، فإن الأغلبية الساحقة الذين سجلوا اسماءهم كانوا من اصحاب الحاجة فعلاً.

لكن الطامة الكبرى أتت مؤخراً، من خلال رسائل الاعتذار النصية، التي تضمنت إبلاغ عدد كبير من المسجلين بأنه “تبين بعد عملية التقييم للمعلومات الواردة في الإستمارة بأنك غير مؤهل للإستفادة من برنامج أمان بحسب المعايير الموضوعة مسبقا”.
“غير مؤهل”: عبارة قرأها معظم من تلقى تلك الرسائل وقلب على ظهره من الضحك، ولسان حاله يسأل: أنا غير مؤهل ومدخولي الشهري لا يتعدى ال200 دولار أميركي كحد أقصى، في بلد لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور ال40 دولاراً؟ أنا غير مؤهل وبالكاد استطيع دفع إيجار منزلي واشتراك مولد الحي وفواتير كهرباء الدولة بأرقامها الحديثة الهائلة والتي لا تخلو من اللصوصية، في بلد لا يرى الكهرباء إلا في النوادر؟ أنا غير مؤهل، وعندما تدخل اللحمة منزلنا يكون يوم عيد وفرح للعائلة أجمع؟ أنا غير مؤهل وحين تنتابني وعكة صحية أو مرض ما “أطنش” عن زيارة الطبيب و”أعض” على وجعي تلافيا لثمن “كشفيته”، وما سيتلوها من فاتورة أدوية تقتل العقل والجيب على السواء؟ أنا غير مؤهل، وأقساط المدارس والجامعات تذبحني من الوريد الى الوريد حتى بت أكره العلم والتعليم؟ أنا غير مؤهل، وراتبي لا يكفيني ثمن تعبئة خزان سيارتي لاذهب بها يومياً الى عملي، وقس على ذلك اضعافاً اذا تنقلت بسيارة الاجرة؟

أي منطق تستندون اليه يا دولة اللصوص ومصاصي الدماء؟ بالله عليكم الى من ذهبت تلك المساعدات؟ الى المحسوبيات والأزلام كما جرت عادتكم؟ نعم، كل الذين تسجلوا في تلك المنصة هم اصحاب حاجة، هم فقراء بامتياز، وانتم سبب فقرهم. أنتم من أجرمتم بحقهم وبحق من يعيلون، ولوقاحتكم تمنعون عنهم أدنى درجات الغوث.
إقرأوا أيها السفلة تفاعل اولئك الذين استلموا تلك الرسائل على مواقع التواصل. فمنهم من اكد بأن دخله الشهري لا يتعدى المئة دولار، وغيره من بكى حاله ووضعه المزري، متسائلاً كيف أن عائلة تعيش في فقر مدقع “رسبت” في ذلك البرنامج، في حين حصل ميكانيكي في الحي، ووضعه المادي أكثر من جيد، على موافقة “أمان” لدعمه ولدعم أسرته.
إقرأوا ما قالته إحدى المعلقات التي شكت جلوس والدها في المنزل بلا عمل، الى جانب والدتها المريضة، جازمة بأن تلك المساعدات تذهب لمن هم ليسوا بحاجة. ورجل آخر يقول بأن امرأة عجوز، فوق ال80 عاماً، وتسكن لوحدها بلا معيل، جاءها الرفض عبر هاتفها، وختم تعليقه بضحكات سخرية، وغيرها الكثير من التعليقات المليئة بالدهشة والاستغراب والقرف في آن.
أما موظفو القطاع العام، يا لصوص الهيكل، فهؤلاء من يستحقون “الدعم” و”الأمان”. فعندما لا يتعدى اعلى راتب في ذلك القطاع ال200$، فالواقع ان هؤلاء يعيشون فعلاً على خط الفقر او دونه، إلا إذا اعتبرت دولتنا انه مبلغ كاف للعيش الرغيد، ويزيد.
انها شريعة الغاب مع مرتبة الشرف. هم قالوا لنا: نحن سرقناكم، فلتجرؤوا على محاسبتنا، و”روحوا بلطوا البحر”. حتى قروش المساعدات نحن نستكثرها عليكم. هذا هو الواقع، فإما أن تقبلوا به، أو هاجروا من هذا البلد، ولتبتلعكم البحار ويأكلكم السمك. فطالما نحن وزبانيتنا بخير، فمن بعدنا الطوفان.