كتب مسعود محمد: انتفاضة السويداء بما شكلته من حراك متقدم شكلت الخطوة الثانية لبناء سوريا الفيدرالية ذات أربعة أقاليم حيث يكون الكرد والدروز والعرب السنة وعلويي سوريا أعمدة الخيمة الكبرى التي تسمى سوريا. هذا هو المشروع الجديد الذي يحضر لسوريا وسيشكل صورتها المستقبلية اذ سيكون هناك استقلال ضمن الوحدة، ولقد تبين واصبح واضح جزء مهم من الخطة المستقبلية لسوريا وهي المكونات ولكن ما ليس واضح بعد كيف سيتم ربطهم مركزياً وتلك مسألة ستقررها المكونات بعد تبلورها.
الإقليم “الكردي” روج آفا
ليس سراً ان قسد “قوات سوريا الديمقراطية” نجحت منذ انطلاق الثورة السورية، بوضع اكراد سوريا على الخريطة المحلية والدولية عبر اقتطاع المنطقة الكردية بمشاركة العرب السنة والمسيحيين السريان فيها، كمنطقة إدارة محلية منفصلة عن سلطة نظام بشار الأسد، بتفاهمين دولي (مع التحالف) ومحلي (مع نظام الأسد)، وكانت هذه براغماتية سياسية زاوجت فيه ما بين المختلفين لبناء مصالحها وفق رؤية سياسية متقدمة قد نختلف عليها او نتفق تلك حكاية أخرى.
وتمكنت “قسد” من “تحرير” أكثر من ربع الأراضي السورية. وحصلت على دعم البنتاغون خلال الحملة على “داعش”، ولا تزال، وعلى غطاء طيران التحالف حتى الساعة، وهي تبني نموذج حكم محلي وليس انفصالي كما يشاع فهي لم ولن تقطع علاقتها مع المركز السوري. واتكل الأميركيون على “قسد” جيوسياسياً في حربهم على “داعش”، وتعتمد على منطقتهم في شمال سوريا لتتصدى للتمدد الإيراني في المشرق، الا ان قسد لم تقطع علاقتها كلياً مع ايران فهي تخاف من غدر اميركا التاريخي بالكرد حيث كل مرة يتم التخلي عنهم بسبب مصالح سياسية مستجدة ويتركون بمواجهة مصيرهم لوحدهم، هذه المنطقة مستقبلياً لن تكون معزولة عن كردستان العراق وسيكون هناك فيما بينهم تكامل اقتصادي وستستفيد الواحدة منهم من الأخرى في تجارتها الدولية والتبادل الاقتصادي وتشكل احدهم عمقاً اقتصادياً للاخرى بحكم ارتباطهم عبر ممرات حدودية وحاجتهم لبعض.
الإقليم العربي السني
معارك دير الزور لم تكن معارك عبثية كما يشاع بل كانت تأسيسية ففي أجزاء واسعة تشمل بادية الشام، من محيط دير الزور إلى البوكمال على الحدود مع العراق، جنوباً حتى التنف، فحدود “السويداء”، ستكون المنطقة العربية السنية في سوريا خارج سلطة الحكومة البعثية، إذ بعد الصدامات ما بين العشائر العربية وقوات “قسد”، تظهرت فكرة انشاء سلطة محلية يمكن فيها العرب السنة بحكم شرق سوريا وجنوبها ومن إقامة اقليمهم المنفتح على أنبار العراق والأردن وعبر هذا الأخير على عمق الخليج. وهذه المنطقة ستكون بتحالف وطيد مع منطقة “روج آفا”، اذ ستكون القسمة واضحة ولكل من المكونين العربي والكردي منطقته وحدوده ولن يكون هناك تناقض فيما بينهم بل تكامل اقتصادي وسياسي.
الإقليم الدرزي
منذ اندلاع الثورة السورية ومحافظة السويداء حيث تعيش معظم الأقلية الدرزية في سوريا بحالة انتفاضة سلمية ضد سلطة البعث من دون هوادة، بسبب مطالب اجتماعية واقتصادية ورفضاً للقمع السياسي والأمني.
وتعرضت المنطقة لغزو دموي من “داعش” بترتيب من قبل النظام وايران لتأديب تلك المنطقة وفشلوا وكانت تلك المنطقة كما قال الشيخ حكمت الهجري بآخر تصريحاته ضد الاحتلال الإيراني وضد ظلم النظام وطلقتها ببيت النار بانتظار اللحظة المناسبة لاطلاقها على رأس ما تبقى من النظام بمناطقها، وطرده منها. وتتعرض هذه المنطقة الحدودية لخروقات مستمرة من الميليشيات الإيرانية و”حزب الله”، إضافة إلى قوات الأسد، لذلك من المهم تأمين الحماية لها سواء دولياً او محلياً عبر تأسيس جيشها ودعمه على غرار روج آفا وربط تلك المنطقة بالاقليمين العربي والكردي اذ ان محافظة السويداء العربية الدرزية تحدها المنطقة العربية السنية إلى شرقها ومناطق سيطرة النظام إلى شمالها وغربها، وبالتالي يجب توضيح دور المعارضة الوطنية في درعا ودورها في الإقليم العربي السني ودورها في حماية الإقليم الدرزي.
الإقليم العلوي
ظهرت فجئة مجموعة من الأصوات العلوية من الساحل مهاجمة بشار الأسد ونظامة وظهور هذه الأصوات ليس صدفة فدوائر القرار العميقة داخل الطائفة اصبحوا على قناعة ان النظام لم يعد قادر على حمايتهم وهم يشعرون ان سوريا تتجه نحو فدرلة مقنعة غير معلنة لذلك يسعون لحفظ حصتهم مقابل تخليهم عن بشار الأسد ومن المرجح ان يكون للإقليم العلوي كما للإقليم الدرزي علاقة خاصة مع الإقليم الكردي.
ايران وحزب الله يفاوضان
ايران ليست بعيدة عن ما يجري في سوريا والدولة العميقة في ايران تعلم ان الأسد لم يعد قادر على حماية مصالحها في سوريا وان ما يجري في سوريا قد رسم واصبح خارج إمكانية ان تسيطر عليه من جديد، لذلك هي تسعى لتكريس مكتسباتها في لبنان والعراق مقابل التخلي عن سوريا ومن هنا نفهم أسباب تشدد حزب الله في لبنان من جهة وتنازلاته من جهة أخرى “الاتفاق البحري مع إسرائيل”. الحزب وايران يريدان حصة وازنة في التركيبة اللبنانية مقابل الخروج من سوريا ومن ضمن الاثمان المطلوبة ما يسمونه في ادبياتهم “حماية المقاومة” وهي تعني بكلام آخر حماية “حزب الله”، كأداة إيرانية ضمن التركيبة اللبنانية، وهذا هو مصدر قلق مسيحيي لبنان والكلام عن مشاريع فيدرالية يحفظ وجودهم في منطقة تتشكل فيها أقاليم دون تغيير خرائطها والاعتراف بها كدول مستقلة فذلك يحتاج الى عمل قانوني معقد قد يمر بحروب طويلة ليس هناك استعداد لاحد الدخول فيها، سوريا افضل نموذج بهذا الاطار.